رحلة مع هوكنج للزمان التخيلي

هل للكون بداية حقاً ، وهل بدأ بـSingularity ؟
هل للزمن بداية حقاً ، وماذا يُقصد ببداية الزمن ؟
ما هو الزمن التخيلي ؟ وهل هو خيال أم حقيقة علمية ؟ وهل له بداية ؟
كيف ستكون نظرتنا للكون ونشوءه ونهايته عبر ميكانيك الكم ؟

راودتني هذه الأسئلة كثيراً ، وأعتقد أنها راودت الكثير منا ، وقررت أن أحاول البحث عن اجابات لها ، أو على الأقل فهم أكثر لما يمكن أن يكون اجابة في المستقبل ، ولما علمت أن أحد العلماء الذين أثبتوا رياضياً وتنبؤا - حسب النسبية - بوجود الـ Singularity  هو سيفن هوكنج ، فقررت الاستناد على مرجعين أساسيين من أعمال هوكنج : ( تاريخ موجز للزمن و الكون في قشرة جوز ) - ترجمة د. مصطفى فهمي ، مع بعض التصرف البسيط لبعض الكلمات لتتناسب والسياق ، وبعض الصور التوضيحية .

يقول هوكنج :

"" إذا كانت قوانين العلم تتوقف عند بداية الكون ، أفلا يمكن أيضا أن تكف عن العمل في أوقات أخرى ؟ القانون لا يكون قانونا إذا كان لا يصلح للعمل إلا أحيانا ." فيجب علينا أن نحاول فهم بدء الكون على أساس العلم . وربما تكون هذه مهمة تتجاوز قدراتنا إلا أنه ينبغي على الأقل أن نقوم بالمحاولة " . ""
( الكون في قشرة جوز ص 76 ) .

اكتشاف أن الكون يتمدد هو إحدى الثورات الثقافية العظيمة في القرن العشرين . وبالتأمل وراء، فإن من السهل التعجب لآن أحدا لم يفكر في ذلك من قبل ، فقد كان ينبغي على نيوتن وغيره أن يتبينوا أن كونا ستاتيكيا لن يلبث أن يبدأ سريعا في الانكماش بتأثير الجاذبية . ولكن لنفرض بدلا من ذلك أن الكون يتمدد . فلو كان يتمدد بسرعة بطيئة إلى حد ما ، فإن قوة الجاذبية ستجعله في النهاية يتوقف عن التمدد ليبدأ بعدها في الانكماش . أما إذا كان يتمدد بسرعة أكبر من معدل حرج عين ، فإن الجاذبية لن تكون قط قوية بما يكفي لوقف تمدده ، وسوف يستمر الكون في التمدد للأبد . وهذا يشبه ، نوعا ، ما يحدث عندما يطلق أحدهم من فوق سطح الأرض صاروخا لأعلى . فإذا كانت سرعته بطيئة إلى حد ما ، فإن الجاذبية ستوقف الصاروخ في النهاية وسيبدأ في السقوط عائدا . ومن الجهة الأخرى ، إذا كانت سرعة الصاروخ أكبر من سرعة حرجة معينة ( حوالي سبعة أميال في الثانية ) فإن الجاذبية لا تكون قوية بما يكفي لشدة إلى الوراء ، وهكذا فإنه سيستمر في الانطلاق بعيدا عن الأرض إلى الأبد . وسلوك الكون هكذا كان يمكن التنبؤ به من نظرية نيوتن عن الجاذبية في أي وقت من القرن التاسع عشر ، أو الثامن عشر أو حتى أواخر القرن السابع عشر .

إلا أن الإيمان بثبات الكون كان من القوة بحيث ظل باقيا لأوائل القرن العشرين . وحتى أينشتاين عندما صاغ نظرية النسبية العامة في 1915 . فإنه كان واثقا من أن الكون يجب أن يكون استاتيكيا حتى أنه عدّل نظريته ليصبح ذلك ممكنا ، فأدخل في معادلاته ما سماه " الثابت الكوني " وقد أدخل أينشتاين قوة جديدة هي " مضاد الجاذبية " وهي بخلاف القوة الأخرى ، لا تأتي من أي مصدر معين ، وإنما هي جبلية في صميم بنية الزمكان . وزعم أن الزمكان لديه نزعة جبلية للتمدد وأنها يمكن أن تُجعل بحيث توازن بالضبط تجاذب كل المادة التي في الكون ، بحيث ينتج استاتيكي . ويبدو أنه لم يكن هناك غير رجل واحد يريد أن يفهم النسبية العامة حسب معناها الظاهر ، وبينما كان أينشتاين وعلماء الفيزياء الآخرون يبحثون عن طرق لمفاداة ما تتنبأ به النسبية العامة من كون غير استاتيكي ، فإن الفيزيائي والرياضي الروسي الكسندر فريدمان أخذ بدلا من ذلك يفسر الأمر .

افترض فريدمان فرضين بسيطين جدا عن الكون : أن الكون يبدو متماثلا في أي اتجاه تنظر فيه إليه ، وأن هذا يصدق أيضاً لو راقبنا الكون من أي مكان آخر ، ومن هاتين الفكرتين وحدهما ، بين فريدمان أننا ينبغي ألا نتوقع أن يكون الكون ثابتا . والحقيقة أن فريدمان تنبأ في 1922 بما وجده أدوين هابل بالضبط ، وذلك قبل اكتشاف هابل بعدة أعوام . (تاريخ موجزللزمان ص46 – 47 ) .

نماذج فريدمان :

في النوع الأول من نموذج فريدمان ، الذي يتمدد ثم يتقلص ثانية ، يكون المكان منحنيا على نفسه ، مثل سطح الأرض ، وبهذا فإنه متناه في مداه ، وفي النوع الثاني من النموذج كالذي يتمدد إلى الأبد ، فإن المكان ينحني للناحية الأخرى ، مثل سطح السرج ، وفي هذه الحالة يكون المكان إذن غير متناه ، وأخيرا ، في النوع الثالث من نموذج ، فريدمان ، الذي تكون سرعته في التمدد هي السرعة الحرجة بالضبط ، فإن المكان يكون مسطحا ( وإذن فهو أيضا لا متناه ). ( تاريخ موجزللزمان ص51 ) .


كل حلول فريدمان فيها الملمح بأنه في وقت ما من الماضي ( منذ ما بين عشرة إلى عشرين ألف مليون سنة ) كانت المسافة بين المجرات المتجاورة هي ولابد صفرا . وفي هذا الوقت ، الذي نسميه الانفجار الكبير ، كانت كثافة الكون ومنحني الزمكان لامتناهيين . ولما كانت الرياضيات لا تستطيع في الواقع تناول الأرقام اللانهائية ، فإن هذا يعني أن نظرية النسبية العامة ( التي تأسست عليها حلول فريدمان ) تتنبأ بأن ثمة نقطة في الكون تنهار عندها النظرية نفسها . وهذه النقطة هي مثل لما يسميه الرياضيون Singularity . والحقيقة أن كل نظرياتنا العلمية قد صيغت على فرض أن الزمان - المكان مستوٍ ويكاد يكون مسطحاً ، وهكذا فإنها تنهار عند مفردة الانفجار الكبير ، حيث يكون منحني الزمكان لامتناهٍ . ويعني هذا أنه حتى لو كانت هناك أحداث قبل الانفجار الكبير ، فان المرء لا يستطيع استخدامها لتحديد ما سيحدث بعدها ، لآن القدرة على التنبؤ تنهار عند الانفجار الكبير . وبالمقابل ، إذا كنا نعرف فقط ، كما هو الحال فعلا ، ما قد حدث منذ الانفجار الكبير ، فإننا لا نستطيع أن نحدد ما حدث قبل ذلك ، وبقدر ما يخصنا فإذا الأحداث قبل الانفجار الكبير لا يمكن أن يكون لها نتائج ، وهكذا فإنها ينبغي ألا تشكل جزء من أي نموذج علمي عن الكون . وإذن ينبغي أن نحذفها من النموذج ونقول إن الزمان له بداية عند الانفجار الكبير . ( تاريخ موجز للزمان ص 52 ) .

نظرية أينشتاين عن النسبية العامة ، هي في ذاتها تتنبأ بأن الزمكان يبدأ عند مفردة الانفجار الكبير وسوف يصل إلى نهايته عند مفردة الانسحاق الكبير ( إذا تقلص الكون كله ثانية ) أو عند مفردة من داخل ثقب أسود ( لو تقلصت منطقة محددة ، مثل أحد النجوم ) . وأي مادة ستهوي إلى داخل الثقب ستتدمر عند المفردة ، ولن يظل محسوسا في الخارج إلا تأثير جاذبية كتلتها . ومن الناحية الأخرى ، عندما يؤخذ في الحسبان تأثيرات الكم ، فإنه يبدو أن كتلة أو طاقة المادة ستُعاد في النهاية إلى باقي الكون ، وأن الثقب الأسود هو وأي مفردة من داخله ، سوف يتبخر بعيدا ليختفي في النهاية . هل يكون لميكانيك الكم تأثير درامي مساوٍ لذلك على مفردتي الانفجار الكبير والانسحاق الكبير ؟ ما الذي يحدث حقاً أثناء الأطوال المبكرة جداً أو المتأخرة جداً من الكون عندما تكون مجالات الجاذبية من القوة بحيث لا يمكن تجاهل تأثيرات الكم ؟ هل للكون حقيقة بداية أو نهاية ؟ وإذا كان الأمر كذلك ، فكيف تبدوان ؟ . (تاريخ موجز للزمان ص 105 ) .

تعليقات