يروي علم الكون cosmologie قصة الكون المرئي وفق النموذج المعياري model standard والتي تبدأ في زمن حدوث الإنفجار العظيم البيغ بانغ Big Bang قبل 13،7 مليار سنة، بيد أن كافة النظريات الفيزيائية لا تصف لنا بدقة متناهية وقاطعة اللحظة التأسيسية instant initial التي اعتبرت بمثابة نقطة الانطلاق. كل ما نعرفه لا يتجاوز معلومة تقريبية تقول بأن هناك فترة زمنية كان فيها الكون المرئي كثيفاً جداً وساخناً جداً عند لحظة معينة هي لحظة الانفجار العظيم التي سمع بها الجميع مثلما سمع بلحظة الصفر instant Zéro التي يفترض أنها تصادفت مع وقوع الانفجار الأولي الذي خلق كل شيء موجود الآن وعلى مر الزمن، أي في اللحظة التي تعادل جزءاً من عشرة ملايين مليار المليار المليار المليار (أي 10-43) من الثانية الأولى لولادة الكون، والتي وقع فيها الانفجار العظيم. ولكن يبقى سؤال يطرح نفسه منذ قرون عديدة : ماذا كان يوجد قبل اللحظة الأولية التأسيسية أو الابتدائية؟ خرجت عدة أطروحات وخطابات وبوجوه متعددة ( دينية، ثيولوجية، ميثولوجية، ميتافيزيقية، وعلمية ) متوسلة بجملة من المصطلحات والمفاهيم الغامضة وغير المحددة أو المعرفة علمياً من قبيل : ( تسامي، تألق، تعالي، الغاية القصوى finalité، الصدفة، الضرورة، العلية، السبب والمسبب، العلة والمعلول، الخ )، مما زاد من تشويش المشهد الفكري بدلاً من توضيحيه. كان الخطاب العلمي الصارم يتحدث عن البيغ بانغ الانفجار العظيم باعتباره نموذجاً كوزمولوجياً يبحث في بداية الكون المرئي، وكان الرائد في طرح هذا النموذج الذي أصبح فيما بعد معيارياًــ هو العالم الرياضي والفيزيائي ورجل الدين الراهب جورج لوميتر Georges Lemaitre الذي حاول وصف حالة الكون المرئي في لحظة البدء عندما كان شديد الكثافة والحرارة قبل أقل من 14 مليار سنة تقريباً. وأضاف العالم الروسي جورج غاموف Georges Gamow بأن الكون المرئي آنذاك ليس فقط كان صغيراً جداً وشديد الكثافةفحسب، بل وكان ساخناً جداً، وطاقي أو متخم بالطاقة énergétique. وقد بات بوسع العلم الحديث رفد هذه الفرضية النظرية بثلاثة براهين وأدلة علمية وهي : أن المجرات تتباعد عن بعضها البعض بسرعات كبيرة، وأنها تتباعد داخل كون في حالة توسع وتمدد expansion، وإن الشعاع الكوني المنتشر rayonnement diffus cosmologique، هو أول ضوء أصدره الكون المرئي الذي يعبر عن خصائصه ويثبت وجوده المادي، حيث تم رصده سنة 1965 وتمت دراسته باستفاضة كما تمت معرفة العناصر الكيميائية الحقيقية فيه مثل الدوتريوم deutérium وهليوم3 hélium و ليتيوم 7 lithium.
غالباً ما استخدم مصطلح البيغ بانغ أو الانفجار العظيم كرديف لمصطلح " الأصل origine" كما لو أن هذا النموذج الموديل هو الطريق الموصلة إلى لحظة الصفر والتي تؤشر إلى الظهور المزدوج في آن واحد للمكان والزمان، للمادة والطاقة، بعبارة أخرى اعتبر البعض أن صيغة البيغ بانغ Big Bang ترسم عملية خلق العالم création du monde، فهل يتطابق ذلك مع واقع الحسابات والمعادلات الرياضية أم هو مبالغة وتشويه في الاستخدام اللغوي ؟ كان اتجاه التطور الكوني تصاعدياً من الأصغر إلى الأكبر بفضل نظرية التضخم La théorie de l’inflation المعروفة بنظرية الكون المتضخم والتي تضعنا في موضع نرى الكون منه وفق منظور مختلف كأننا ننظر إليه من خارجه. تتناول النظرية تلك المرحلة من حياة الكون التي سبقت تمدده الحالي، عندما كان حجم الكون ضئيلاً جداً وبالتحديد عند اللحظة 10-37 ثانية من عمره، ويسمي العلماء هذه اللحظة بلحظة المضاعفة، وتفيد نظرية الكون المتضخم أن الكون، و في غضون لحظة المضاعفة بالغة القصر، قد ضاعف فجأة كل أبعاده و كرر ذلك في لحظات مضاعفة تالية، وفي كل مرة يتضاعف الكون أربعة أضعاف، وبعدها تتضاعف تلك الأبعاد إلى ثمانية أضعاف. وتأتي نظرية الأفق horizon لتحل إشكالية الأفق الكوني l’horizon cosmique، حيث كانت كل نقاط الكون المرئي مضمومة أو متجمعة في نقطة صغيرة جداً سمحت له بتبادل المعلومات فيما بينها، ثم تباعدت النقاط إلى مسافات شاسعة بفعل التضخم. ويمكننا أن نستنتج بأن التضخم هنا لا يتناقض مع نظرية النسبية، فعلى الرغم من سرعة التضخم التي تجاوزت سرعة الضوء بكثير إلا أن التضخم طال المادة على نحو غير مباشر. أي إن الفراغ هو الذي تضخم بسرعة أكبر من سرعة الضوء وليس المادة المرئية، وهنا لا تمانع النسبية في ذلك إذ أن قيودها تتحدد بالمادة و حسب، فالمادة وحدها هي التي لا تستطيع الحركة إلا بسرعة أدنى من سرعة الضوء وإلا اختفت، و هذا أمر مختلف لا تقف النسبية عائقاً دون إمكانية تحققه. يصف العلماء ذلك الفراغ بأنه كان فراغاً وهمياً أو مؤقتاً، و علة ذلك الوصف أن الفراغ قيد البحث لم يكن خالياً بل انطوى على قيمة طاقية محددة، تقابل تلك القيمة كتلة مناظرةً وفق نظرية آينشتاين ومعادلته الشهيرة التي تقول أن الطاقة تساوي الكتلة في مربع سرعة الضوء E=mc2.
عند التمعن في الماضي السحيق للكون المرئي وعرض فيلم الكون بالمعكوس سوف نلاحظ أن المجرات كانت قريبة من بعضها البعض، وحجم الكون يتقلص أكثر فأكثر إلى أن يصل إلى حد دقيق على الورق أو نظرياً بمعنى أنه يختزل في نقطة هندسية point géométrique وبحجم عديم الأبعاد volume nul وكثافة لا متناهية densité infinie، بعبارة أخرى، لو عكسنا اتجاه الزمن من الحاضر إلى الماضي فإن المعادلات الرياضية سوف تظهر لنا بلا شك ما عرف في الوسط العلمي باللحظة الحرجة instant critique والمسماة تقليدياً بلحظة الصفر instant zéro والتي ظهرت للوجود قبل 13،7 مليار سنة وهذه الأخيرة تقترن بما يسميه الفيزيائيون الفرادة الأولية، التأسيسية او البدئية singularité initiale وهي حالة نظرية تصبح عندها بعض القيم والكموم لا متناهية كالحرارة والكثافة. لا شيء نظرياً يمنعنا من محاكاة هذه الفرادة البدئية أو التأسيسية التي أعتبرت هي الأصل النظري للكون المرئي، إلا أنه توجد هناك اعتبارات أخرى لا بد من أخذها في الحسبان قبل البدء بالمحاكاة منها: أن النموذج النظري الأول للبيغ بانغ أي الانفجار العظيم لم يهتم بأعظم قوة في الطبيعة ألا وهي الثقالة أو الجاذبية la gravitation التي أطرتها نظرية النسبية العامة la relativité générale، وكذلك إن التفاعل الثقالي interaction gravitationnel النشط دوماً وذو التداعيات اللامتناهية والذي يهيمن على مستوى اللامتناهي في الكبر، ولكن عندما نعود إلى الوراء يتقلص حجم الكون، وعندما نصل إلى 13،7 مليار سنة إلى الخلف، تواجه المادة ظروفاً فيزيائية غاية في الخصوصية حيث يتعذر على النسبية العامة وحدها وصفها أو تحديدها إذ أن تفاعلات جوهرية أخرى غير الثقالة أو الجاذبية تدخل اللعبة وهي القوى الجوهرية الثلاثة الباقية المسيرة للكون المرئي وهي القوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية الشديدة والقوة النووية الضعيفة التي تحدد سلوك المادة لا سيما عندما تكون هذه الأخيرة في درجات حرارة عالية وكثافة مرتفعة جداً.
المعروف أن نظرية النسبية العامة لا تأخذ بالاعتبار هذه القوى الجوهرية الثلاثة بل تختص بالثقالة الجاذبية فحسب لذلك يمكننا القول أن نسبية آينشتين غير مكتملة ولا تتمكن وحدها من وصف الكون المرئي خاصة في مستوياته اللامتناهية في الصغر حيث تفقد معادلات النسبية العامة صلاحيتها خاصة عندما يتعلق الأمر بالجسيمات التكوينية الموجودة في الكون المرئي والمحملة بطاقة هائلة، وليس بوسع النسبية العامة وصف التفاعلات الأخرى غير الجاذبية أو الثقالة، وبالتالي فإن النسبية العامة، التي هيمنت على المشهد العلمي لأكثر من نصف قرن، باتت قاصرة اليوم ولا تستطيع في الواقع سوى التمعن بالفترات المتأخرة من عمر الكون المرئي البدئي أو الأولي univers primordial وليس الفترات السابقة لتلك الحقبة الأولية والتي اعتبرت بمثابة اللحظة الحرجة أو نقطة الصفر. فالنموذج الكوني المرئي المصاغ وفق النسبية العامة لا يتعرض البتة لمشكلة بداية الكون المرئي ناهيك عن موضوع ما يسبق البداية المادية. فالنموذج النسبوي لا يدعي أن يكون هو العلة الأولية أو السبب la cause لظهور الكون المرئي. الكل يعلم، وعلى رأسهم آينشتين نفسه Einstein، أنه إذا كان لا بد لهم من التعرض لظروف الكون الأولي أو البدئي univers primordiale فإنه سوف يتعين عليهم أولاً عبور أو تجاوز جدار بلانك mur de planck والنظر إلى ماوراءه وهذا هو المستحيل بعينه في الوقت الحاضر من وجهة نظر فيزيائية محضة. فتعبير جدار بلانك يخص لحظة بعينها في تاريخ الكون، أو مرحلة مر بها الكون، وتميزت بكونها يستحيل اقتحامها، ويتعذر على النظريات الفيزيائية القائمة أو الموجودة حالياً وصفها أو وصف ما حدث خلالها للكون. فجدار بلانك مرتبط أو مقترن بطاقة قدرت نظرياً بــ 1910 GeV، وبطول يقل عن 10-33 من السنتمتر، وفترة زمنية تقل عن 10-43 من الثانية، وهذه القيم المذهلة، والتي لايمكن تصورها، هي الحاجز الذي يتعذر تجاوزه مادياً والذي يفصل بيننا وبين الوصول إلى أصل الكون المرئي لو كان هناك حقاً أصل لهذا الكون المرئي. فجدار بلانك يمثل الحد المادي الأقصى والأدنى لصلاحية المفاهيم الفيزيائية التي نستخدمها، فهذه الأخيرة صالحة للتطبيق على ما يحصل بعد جدار بلاك وليس ما قبله، فتصورنا وإدراكنا للزمن والمكان لم يعد موافقاً أو ملائماً وغير مناسباً ويفقد كل قيمة بالقرب من حدود جدار بلانك. والجدير بالذكر أن الكون في لحظة ظهوره كان يخضع للقوى الجوهرية الأربعة للطبيعة التي ولدت على التتالي بتحولات طورية ثلاثة: الأولى هي قوة الثقالة أو الجاذبية التي ولدت في اللحظة 10-43 من الثانية، لحظة حدوث الانفجار العظيم البيغ بانغ Big Bang وبدء ولادة الكون ومعه الزمان والمكان، ثم القوة النووية الشديدة التي ولدت في اللحظة 10-35 من الثانية، ثم القوتين المدموجتين: النووية الضعيفة والكهرومغناطيسية، وأخيراً انفصال هاتين القوتين عن بعضهما في اللحظة 10-11 من الثانية. عندما نقول إن أصغر طول في الطبيعة لا يمكن أن يقل عن طول بلانك، فذلك لأنه يمكن للفيزياء النظرية أن تبرهن على أن الجُسيم الذي يقل طوله عن طول بلانك، يتحول إلى نقطة كوانتية كمومية point quantique(نقطة من الطاقة) تبتلع نفسها. فإن نظرية الانفجار العظيم قد تجاوزت الحاجة (لإثبات صحتها) إلى هذا النوع من البراهين الفلسفية، وأصبحت تقدم هي نفسها فرضيات يتم التثبت من صحتها يوماً بعد يوم.
وإذا كان من الصعب إيجاد موقع معقول بالنسبة إلى معاييرنا لرقم مثل 10-45 ثانية في سلم عمر الكون الافتراضي وهو7،13 مليار سنة تقريباً، علينا أن ننظر إلى هذا الرقم، وإلى درجة حرارة مطلقة تبلغ 3710 كلِفن، وإلى طاقة تبلغ 3310 إلكترون فولط، وإلى طول يبلغ 10-33 سنتيمتر، على أنَّها قيم فريدة أو معالم متفردة، كتفرد الانفجار العظيم نفسه الذي حدث في لحظة فرادة. إنَّها جزء من هذا الحدث، الذي يستحيل على الإنسان إحداثه. إنَّ هذه الأرقام تغدو دونما معنى إذا ما وضعت خارج إطار حدث الانفجار العظيم، وفي نفس الوقت من الخطأ القيام بعملية تماهي بين الانفجار العظيم وعملية خلق الكون الميثولوجية création de l’univers لأن مسألة معرفة ماحدث قبل البيغ بانغ الانفجار العظيم تغدو خالية من المعنى إذا ما اعتبرنا أن كل شيء، المكان والزمان والمادة والطاقة والجسيمات الأولية ظهرت في آن واحد، في لحظة بدء الزمن نفسه، لذلك لا يمكن أن يوجد ما يمكن تسميته بــ " القبل Avant" فهذا مفهوم زمني بحت ينطوي عليه وجود زمن آخر قبل الانفجار العظيم الذي بدأ فيه زمنه الخاص به، والحال أن الزمن واحد ولا يوجد زمنين وإن الزمن الذي نعرفه بدأ مع الانفجار العظيم وليس قبله لذا يغدو مفهوم " القبل" عبثياً.
لكن التساؤل الميتافيزيقي الآخر يبقى مطروحاً وهو: ما الذي تسبب في قدح أو "توليع" الشرارة الأولى في اللامكان واللازمان وفي قلب العدم néant لإطلاق الانفجار العظيم ؟ ما أن يطرح هذا التساؤل ويتم البحث في ماهية الكائن être، والتدقيق حول هل هناك حالة أو وضع ما بين الكينونة واللاكينونة، يدخل الله إلى حلبة النقاش ويحتل ساحة الفكر والوعي المستسلم أو النقدي على حد سواء، متخذاً صفة الجواب البديهي الذي لا بديل عنه. فبمجرد التفكير بعدم وجود أي شيء قبل الوجود المادي، يقفز إلى ذهن الكائن البشري تصور تخيلي بخصوص شيء ما غير محسوس وغير ملموس وغير مرئي وغير مادي أي ميتافيزيقي بامتياز، عند ذلك يتحول الله إلى وظيفة أو صفة للكائن المحفز أو عود الكبريت أو الولاعة الكونية allumette cosmique ليقوم بدور المحرك الأعظم starter suprême بيد أن علماء الفيزياء يعلمون علم اليقين أن الانفجار العظيم لا يرتبط بأي شكل من الأشكال بعملية خلق الكون، بل ليس الانفجار العظيم سوى مرحلة خاصة، بل شديدة الخصوصية، مر بها الكون ولا يوجد واقع فيزيائي ما، يمكن أن نطلق عليه تسمية "لحظة بدء الكون الفعلية القاطعة والثابتة" لأنها لا تتناسب ولا تتطابق مع أية لحظة حقيقية في ماضي الكون المرئي. فزمن الكون لم يمر أبداً بلحظة الصفر التي غالباً ما تقرن بشكل خاطيء بالانفجار العظيم. فمفهوم لحظة الصفر ليس سوى بناء نظري وليس نقطة انطلاق من العدم. ومن تصدى لهذه المعضلة، أي للمرحلة التي كان فيها الكون المرئي شديد الحرارة وشديد الكثافة، غرقوا في فرضيات عديدة مثل أن الزمكان له أكثر من أربعة أبعاد افترضوا وجود بعضها ما تحت مستوى بلانك échelle de Planck أو أنه، أي الكون المرئي، متحدر من شيء ليس له زمكان، وغير ذلك من الفرضيات الفنتازية لكنها كلها تتحطم عن صخرة نقطة الصفر المفترضة وتقف عاجزة عندها. فكل شيء يشير كما لو أن الزواج بين الفيزياء الكمية أو الكوانتية physique quantique والنسبية العامة la relativité générale سيقود حتماً إلى تحطيم فرضية خلق الكون وإن كل الحسابات والمعادلات النظرية الرياضية تظهر لنا عالماً سابقاً لوجود كوننا المرئي الحالي، ويتمتع هذا العالم الخيالي، بعدة مستويات وأبعاد، وله عدة تسميات من بينها " الفراغ الكوانتي أو الكمي le vide quantique أو البران Brane وهذا الأخير عبارة عن مساحة أو سطح surface لكون طافي flattant يطفو فوق زمكان أوسع منه كما ورد في نظرية الأوتار الفائقة La théorie des supercordes. إن لهذا الزمكان الكوانتي المفترض أحد عشر بعداً وربما أكثر من ذلك بكثير، أو هو كون في حالة تقلصات contractions معكوسة على نفسه، عندما تصل كثافته إلى قيمة لا يمكن تجاوزها وتكون باقي المكونات غريبة وغير مألوفة exotiques وهذا يقودنا إلى استنتاجين : أولهما أن ما سبق كوننا المرئي لم يكن " لا شيء rien " أي أن هناك دائماً كائن ما أو كينونة ما être وليس هناك "عدم " néant الأمر الذي ينفي تماماً إمكانية الخلق من العدم. كما أن الأشياء السابقة لوجود الكون المرئي مادياً أوفيزيائياً هي ليست خارجة عنه بل هي جزء لا يتجزأ منه وبالتالي لا يمكنها أن تكون أسباباً أولية لوجوده، وإن الخاصية التي تميزها عن غيرها من مكونات الكون المرئي هي أنها أوجدت أو ولدت كل ما هو موجود زائداً عنها، ولكن دون أن نتمكن من الحديث عن أصل ما لها، وهذا ينطبق على المادة السوداء أو المعتمة والطاقة السوداء أو الداكنة المجهولتي الماهية. والسؤال هو من أين جاء الفراغ الكوانتي أو الكمي le vide quantique ؟ لا أحد يعرف. و من أين جاءت البرانات Branes ؟، لا أحد يمكنه أن يقدم جواباً شافياً. ولذلك يبقى اللغز المتعلق بكينونة ما قبل البيغ بانغ الانفجار العظيم قائماً كمفهوم سفسطي. ويبقى السؤال مفتوحاً بشأن وجود أو عدم وجود أصل للكون. فلا يمكن في الوقت الحاضر البرهنة علمياً بأن هناك أصل لكوننا المرئي ولا البرهنة علمياً بعكس ذلك. والبديل يبدو بسيطاً : فإما أن يكون للكون المرئي أصل origine إلا أن العلم بمستواه الحالي لم يتمكن من العصور عليه، وفي هذه الحالة فهو مسبوق بالغياب التام للكينونة وهذا يعني أنها ناجم عن أصل ونسب أو استئصال خارج العدم، وهو انسلاخ أو انتزاع واستئصال لا يوصف أو يعجز الإنسان التعبير عنه، إذ لكي نشرح كيف كف العدم على أن يكون عدماً ينبغي علينا إضفاء خصائص معينة بوسع وجودها وحده أن يميزه عن نفسه مما يقود إلى إحراجات منطقية يتعذر تجاوزها. أو أنه لا يوجد أصل للكون المرئي وفي هذه الحالة يقال أنه كان ولا يزال وسيظل كينونة ما أو كائن ما موجوداً بدلاً من العدم وفي هذه الحالة لم تعد مسألة الأصل تطرح أصلاً ولن تكون سوى مشكلة أسيء طرحها وتحل محلها مسألة أخرى لايمكن اختراقها وفك طلاسمها ولا تقل ميتافيزيقية عن الصيغة الميثولوجية وتتعلق بالكينونة الأولى أي لماذا توجد كينونة أولى بدلاً من لا شيء؟
__________
جواد بشارة
غالباً ما استخدم مصطلح البيغ بانغ أو الانفجار العظيم كرديف لمصطلح " الأصل origine" كما لو أن هذا النموذج الموديل هو الطريق الموصلة إلى لحظة الصفر والتي تؤشر إلى الظهور المزدوج في آن واحد للمكان والزمان، للمادة والطاقة، بعبارة أخرى اعتبر البعض أن صيغة البيغ بانغ Big Bang ترسم عملية خلق العالم création du monde، فهل يتطابق ذلك مع واقع الحسابات والمعادلات الرياضية أم هو مبالغة وتشويه في الاستخدام اللغوي ؟ كان اتجاه التطور الكوني تصاعدياً من الأصغر إلى الأكبر بفضل نظرية التضخم La théorie de l’inflation المعروفة بنظرية الكون المتضخم والتي تضعنا في موضع نرى الكون منه وفق منظور مختلف كأننا ننظر إليه من خارجه. تتناول النظرية تلك المرحلة من حياة الكون التي سبقت تمدده الحالي، عندما كان حجم الكون ضئيلاً جداً وبالتحديد عند اللحظة 10-37 ثانية من عمره، ويسمي العلماء هذه اللحظة بلحظة المضاعفة، وتفيد نظرية الكون المتضخم أن الكون، و في غضون لحظة المضاعفة بالغة القصر، قد ضاعف فجأة كل أبعاده و كرر ذلك في لحظات مضاعفة تالية، وفي كل مرة يتضاعف الكون أربعة أضعاف، وبعدها تتضاعف تلك الأبعاد إلى ثمانية أضعاف. وتأتي نظرية الأفق horizon لتحل إشكالية الأفق الكوني l’horizon cosmique، حيث كانت كل نقاط الكون المرئي مضمومة أو متجمعة في نقطة صغيرة جداً سمحت له بتبادل المعلومات فيما بينها، ثم تباعدت النقاط إلى مسافات شاسعة بفعل التضخم. ويمكننا أن نستنتج بأن التضخم هنا لا يتناقض مع نظرية النسبية، فعلى الرغم من سرعة التضخم التي تجاوزت سرعة الضوء بكثير إلا أن التضخم طال المادة على نحو غير مباشر. أي إن الفراغ هو الذي تضخم بسرعة أكبر من سرعة الضوء وليس المادة المرئية، وهنا لا تمانع النسبية في ذلك إذ أن قيودها تتحدد بالمادة و حسب، فالمادة وحدها هي التي لا تستطيع الحركة إلا بسرعة أدنى من سرعة الضوء وإلا اختفت، و هذا أمر مختلف لا تقف النسبية عائقاً دون إمكانية تحققه. يصف العلماء ذلك الفراغ بأنه كان فراغاً وهمياً أو مؤقتاً، و علة ذلك الوصف أن الفراغ قيد البحث لم يكن خالياً بل انطوى على قيمة طاقية محددة، تقابل تلك القيمة كتلة مناظرةً وفق نظرية آينشتاين ومعادلته الشهيرة التي تقول أن الطاقة تساوي الكتلة في مربع سرعة الضوء E=mc2.
عند التمعن في الماضي السحيق للكون المرئي وعرض فيلم الكون بالمعكوس سوف نلاحظ أن المجرات كانت قريبة من بعضها البعض، وحجم الكون يتقلص أكثر فأكثر إلى أن يصل إلى حد دقيق على الورق أو نظرياً بمعنى أنه يختزل في نقطة هندسية point géométrique وبحجم عديم الأبعاد volume nul وكثافة لا متناهية densité infinie، بعبارة أخرى، لو عكسنا اتجاه الزمن من الحاضر إلى الماضي فإن المعادلات الرياضية سوف تظهر لنا بلا شك ما عرف في الوسط العلمي باللحظة الحرجة instant critique والمسماة تقليدياً بلحظة الصفر instant zéro والتي ظهرت للوجود قبل 13،7 مليار سنة وهذه الأخيرة تقترن بما يسميه الفيزيائيون الفرادة الأولية، التأسيسية او البدئية singularité initiale وهي حالة نظرية تصبح عندها بعض القيم والكموم لا متناهية كالحرارة والكثافة. لا شيء نظرياً يمنعنا من محاكاة هذه الفرادة البدئية أو التأسيسية التي أعتبرت هي الأصل النظري للكون المرئي، إلا أنه توجد هناك اعتبارات أخرى لا بد من أخذها في الحسبان قبل البدء بالمحاكاة منها: أن النموذج النظري الأول للبيغ بانغ أي الانفجار العظيم لم يهتم بأعظم قوة في الطبيعة ألا وهي الثقالة أو الجاذبية la gravitation التي أطرتها نظرية النسبية العامة la relativité générale، وكذلك إن التفاعل الثقالي interaction gravitationnel النشط دوماً وذو التداعيات اللامتناهية والذي يهيمن على مستوى اللامتناهي في الكبر، ولكن عندما نعود إلى الوراء يتقلص حجم الكون، وعندما نصل إلى 13،7 مليار سنة إلى الخلف، تواجه المادة ظروفاً فيزيائية غاية في الخصوصية حيث يتعذر على النسبية العامة وحدها وصفها أو تحديدها إذ أن تفاعلات جوهرية أخرى غير الثقالة أو الجاذبية تدخل اللعبة وهي القوى الجوهرية الثلاثة الباقية المسيرة للكون المرئي وهي القوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية الشديدة والقوة النووية الضعيفة التي تحدد سلوك المادة لا سيما عندما تكون هذه الأخيرة في درجات حرارة عالية وكثافة مرتفعة جداً.
المعروف أن نظرية النسبية العامة لا تأخذ بالاعتبار هذه القوى الجوهرية الثلاثة بل تختص بالثقالة الجاذبية فحسب لذلك يمكننا القول أن نسبية آينشتين غير مكتملة ولا تتمكن وحدها من وصف الكون المرئي خاصة في مستوياته اللامتناهية في الصغر حيث تفقد معادلات النسبية العامة صلاحيتها خاصة عندما يتعلق الأمر بالجسيمات التكوينية الموجودة في الكون المرئي والمحملة بطاقة هائلة، وليس بوسع النسبية العامة وصف التفاعلات الأخرى غير الجاذبية أو الثقالة، وبالتالي فإن النسبية العامة، التي هيمنت على المشهد العلمي لأكثر من نصف قرن، باتت قاصرة اليوم ولا تستطيع في الواقع سوى التمعن بالفترات المتأخرة من عمر الكون المرئي البدئي أو الأولي univers primordial وليس الفترات السابقة لتلك الحقبة الأولية والتي اعتبرت بمثابة اللحظة الحرجة أو نقطة الصفر. فالنموذج الكوني المرئي المصاغ وفق النسبية العامة لا يتعرض البتة لمشكلة بداية الكون المرئي ناهيك عن موضوع ما يسبق البداية المادية. فالنموذج النسبوي لا يدعي أن يكون هو العلة الأولية أو السبب la cause لظهور الكون المرئي. الكل يعلم، وعلى رأسهم آينشتين نفسه Einstein، أنه إذا كان لا بد لهم من التعرض لظروف الكون الأولي أو البدئي univers primordiale فإنه سوف يتعين عليهم أولاً عبور أو تجاوز جدار بلانك mur de planck والنظر إلى ماوراءه وهذا هو المستحيل بعينه في الوقت الحاضر من وجهة نظر فيزيائية محضة. فتعبير جدار بلانك يخص لحظة بعينها في تاريخ الكون، أو مرحلة مر بها الكون، وتميزت بكونها يستحيل اقتحامها، ويتعذر على النظريات الفيزيائية القائمة أو الموجودة حالياً وصفها أو وصف ما حدث خلالها للكون. فجدار بلانك مرتبط أو مقترن بطاقة قدرت نظرياً بــ 1910 GeV، وبطول يقل عن 10-33 من السنتمتر، وفترة زمنية تقل عن 10-43 من الثانية، وهذه القيم المذهلة، والتي لايمكن تصورها، هي الحاجز الذي يتعذر تجاوزه مادياً والذي يفصل بيننا وبين الوصول إلى أصل الكون المرئي لو كان هناك حقاً أصل لهذا الكون المرئي. فجدار بلانك يمثل الحد المادي الأقصى والأدنى لصلاحية المفاهيم الفيزيائية التي نستخدمها، فهذه الأخيرة صالحة للتطبيق على ما يحصل بعد جدار بلاك وليس ما قبله، فتصورنا وإدراكنا للزمن والمكان لم يعد موافقاً أو ملائماً وغير مناسباً ويفقد كل قيمة بالقرب من حدود جدار بلانك. والجدير بالذكر أن الكون في لحظة ظهوره كان يخضع للقوى الجوهرية الأربعة للطبيعة التي ولدت على التتالي بتحولات طورية ثلاثة: الأولى هي قوة الثقالة أو الجاذبية التي ولدت في اللحظة 10-43 من الثانية، لحظة حدوث الانفجار العظيم البيغ بانغ Big Bang وبدء ولادة الكون ومعه الزمان والمكان، ثم القوة النووية الشديدة التي ولدت في اللحظة 10-35 من الثانية، ثم القوتين المدموجتين: النووية الضعيفة والكهرومغناطيسية، وأخيراً انفصال هاتين القوتين عن بعضهما في اللحظة 10-11 من الثانية. عندما نقول إن أصغر طول في الطبيعة لا يمكن أن يقل عن طول بلانك، فذلك لأنه يمكن للفيزياء النظرية أن تبرهن على أن الجُسيم الذي يقل طوله عن طول بلانك، يتحول إلى نقطة كوانتية كمومية point quantique(نقطة من الطاقة) تبتلع نفسها. فإن نظرية الانفجار العظيم قد تجاوزت الحاجة (لإثبات صحتها) إلى هذا النوع من البراهين الفلسفية، وأصبحت تقدم هي نفسها فرضيات يتم التثبت من صحتها يوماً بعد يوم.
وإذا كان من الصعب إيجاد موقع معقول بالنسبة إلى معاييرنا لرقم مثل 10-45 ثانية في سلم عمر الكون الافتراضي وهو7،13 مليار سنة تقريباً، علينا أن ننظر إلى هذا الرقم، وإلى درجة حرارة مطلقة تبلغ 3710 كلِفن، وإلى طاقة تبلغ 3310 إلكترون فولط، وإلى طول يبلغ 10-33 سنتيمتر، على أنَّها قيم فريدة أو معالم متفردة، كتفرد الانفجار العظيم نفسه الذي حدث في لحظة فرادة. إنَّها جزء من هذا الحدث، الذي يستحيل على الإنسان إحداثه. إنَّ هذه الأرقام تغدو دونما معنى إذا ما وضعت خارج إطار حدث الانفجار العظيم، وفي نفس الوقت من الخطأ القيام بعملية تماهي بين الانفجار العظيم وعملية خلق الكون الميثولوجية création de l’univers لأن مسألة معرفة ماحدث قبل البيغ بانغ الانفجار العظيم تغدو خالية من المعنى إذا ما اعتبرنا أن كل شيء، المكان والزمان والمادة والطاقة والجسيمات الأولية ظهرت في آن واحد، في لحظة بدء الزمن نفسه، لذلك لا يمكن أن يوجد ما يمكن تسميته بــ " القبل Avant" فهذا مفهوم زمني بحت ينطوي عليه وجود زمن آخر قبل الانفجار العظيم الذي بدأ فيه زمنه الخاص به، والحال أن الزمن واحد ولا يوجد زمنين وإن الزمن الذي نعرفه بدأ مع الانفجار العظيم وليس قبله لذا يغدو مفهوم " القبل" عبثياً.
لكن التساؤل الميتافيزيقي الآخر يبقى مطروحاً وهو: ما الذي تسبب في قدح أو "توليع" الشرارة الأولى في اللامكان واللازمان وفي قلب العدم néant لإطلاق الانفجار العظيم ؟ ما أن يطرح هذا التساؤل ويتم البحث في ماهية الكائن être، والتدقيق حول هل هناك حالة أو وضع ما بين الكينونة واللاكينونة، يدخل الله إلى حلبة النقاش ويحتل ساحة الفكر والوعي المستسلم أو النقدي على حد سواء، متخذاً صفة الجواب البديهي الذي لا بديل عنه. فبمجرد التفكير بعدم وجود أي شيء قبل الوجود المادي، يقفز إلى ذهن الكائن البشري تصور تخيلي بخصوص شيء ما غير محسوس وغير ملموس وغير مرئي وغير مادي أي ميتافيزيقي بامتياز، عند ذلك يتحول الله إلى وظيفة أو صفة للكائن المحفز أو عود الكبريت أو الولاعة الكونية allumette cosmique ليقوم بدور المحرك الأعظم starter suprême بيد أن علماء الفيزياء يعلمون علم اليقين أن الانفجار العظيم لا يرتبط بأي شكل من الأشكال بعملية خلق الكون، بل ليس الانفجار العظيم سوى مرحلة خاصة، بل شديدة الخصوصية، مر بها الكون ولا يوجد واقع فيزيائي ما، يمكن أن نطلق عليه تسمية "لحظة بدء الكون الفعلية القاطعة والثابتة" لأنها لا تتناسب ولا تتطابق مع أية لحظة حقيقية في ماضي الكون المرئي. فزمن الكون لم يمر أبداً بلحظة الصفر التي غالباً ما تقرن بشكل خاطيء بالانفجار العظيم. فمفهوم لحظة الصفر ليس سوى بناء نظري وليس نقطة انطلاق من العدم. ومن تصدى لهذه المعضلة، أي للمرحلة التي كان فيها الكون المرئي شديد الحرارة وشديد الكثافة، غرقوا في فرضيات عديدة مثل أن الزمكان له أكثر من أربعة أبعاد افترضوا وجود بعضها ما تحت مستوى بلانك échelle de Planck أو أنه، أي الكون المرئي، متحدر من شيء ليس له زمكان، وغير ذلك من الفرضيات الفنتازية لكنها كلها تتحطم عن صخرة نقطة الصفر المفترضة وتقف عاجزة عندها. فكل شيء يشير كما لو أن الزواج بين الفيزياء الكمية أو الكوانتية physique quantique والنسبية العامة la relativité générale سيقود حتماً إلى تحطيم فرضية خلق الكون وإن كل الحسابات والمعادلات النظرية الرياضية تظهر لنا عالماً سابقاً لوجود كوننا المرئي الحالي، ويتمتع هذا العالم الخيالي، بعدة مستويات وأبعاد، وله عدة تسميات من بينها " الفراغ الكوانتي أو الكمي le vide quantique أو البران Brane وهذا الأخير عبارة عن مساحة أو سطح surface لكون طافي flattant يطفو فوق زمكان أوسع منه كما ورد في نظرية الأوتار الفائقة La théorie des supercordes. إن لهذا الزمكان الكوانتي المفترض أحد عشر بعداً وربما أكثر من ذلك بكثير، أو هو كون في حالة تقلصات contractions معكوسة على نفسه، عندما تصل كثافته إلى قيمة لا يمكن تجاوزها وتكون باقي المكونات غريبة وغير مألوفة exotiques وهذا يقودنا إلى استنتاجين : أولهما أن ما سبق كوننا المرئي لم يكن " لا شيء rien " أي أن هناك دائماً كائن ما أو كينونة ما être وليس هناك "عدم " néant الأمر الذي ينفي تماماً إمكانية الخلق من العدم. كما أن الأشياء السابقة لوجود الكون المرئي مادياً أوفيزيائياً هي ليست خارجة عنه بل هي جزء لا يتجزأ منه وبالتالي لا يمكنها أن تكون أسباباً أولية لوجوده، وإن الخاصية التي تميزها عن غيرها من مكونات الكون المرئي هي أنها أوجدت أو ولدت كل ما هو موجود زائداً عنها، ولكن دون أن نتمكن من الحديث عن أصل ما لها، وهذا ينطبق على المادة السوداء أو المعتمة والطاقة السوداء أو الداكنة المجهولتي الماهية. والسؤال هو من أين جاء الفراغ الكوانتي أو الكمي le vide quantique ؟ لا أحد يعرف. و من أين جاءت البرانات Branes ؟، لا أحد يمكنه أن يقدم جواباً شافياً. ولذلك يبقى اللغز المتعلق بكينونة ما قبل البيغ بانغ الانفجار العظيم قائماً كمفهوم سفسطي. ويبقى السؤال مفتوحاً بشأن وجود أو عدم وجود أصل للكون. فلا يمكن في الوقت الحاضر البرهنة علمياً بأن هناك أصل لكوننا المرئي ولا البرهنة علمياً بعكس ذلك. والبديل يبدو بسيطاً : فإما أن يكون للكون المرئي أصل origine إلا أن العلم بمستواه الحالي لم يتمكن من العصور عليه، وفي هذه الحالة فهو مسبوق بالغياب التام للكينونة وهذا يعني أنها ناجم عن أصل ونسب أو استئصال خارج العدم، وهو انسلاخ أو انتزاع واستئصال لا يوصف أو يعجز الإنسان التعبير عنه، إذ لكي نشرح كيف كف العدم على أن يكون عدماً ينبغي علينا إضفاء خصائص معينة بوسع وجودها وحده أن يميزه عن نفسه مما يقود إلى إحراجات منطقية يتعذر تجاوزها. أو أنه لا يوجد أصل للكون المرئي وفي هذه الحالة يقال أنه كان ولا يزال وسيظل كينونة ما أو كائن ما موجوداً بدلاً من العدم وفي هذه الحالة لم تعد مسألة الأصل تطرح أصلاً ولن تكون سوى مشكلة أسيء طرحها وتحل محلها مسألة أخرى لايمكن اختراقها وفك طلاسمها ولا تقل ميتافيزيقية عن الصيغة الميثولوجية وتتعلق بالكينونة الأولى أي لماذا توجد كينونة أولى بدلاً من لا شيء؟
__________
جواد بشارة
تعليقات
إرسال تعليق